من قال أن السحر موطنه الشرق لم يقرأ لخوان رولفو!

من قال أن السحر موطنه الشرق لم يقرأ لخوان رولفو…
هذا الكاتب المكسيكي الفذ صاحب الأعمال النادرة، الذي اختار ماركيز روايته “بيدرو بارامو” كأفضل رواية في التاريخ، عاش حياةً لا تقل في غرائبيّتها عن روايته هذه!

صدرت “بيدرو بارامو” لخوان رولفو في خمسينيّات القرن الماضي، عقب مجموعة قصصية أصدرها قبل ذلك بسنوات بعنوان “السهل المحترق”، وتوقع الكثيرون المزيد من خوان رولفو، لكنه أصر على أن الكتابة ستظل له هواية لا أكثر، سأله الصحفيون لسنوات “ماذا بعد بيدرو بارامو؟”، لكنه كان يجيب أنه كاتب هاوٍ، ما لم تحضره الهواية فلن يكتب لمجرد الكتابة! صدرت له رواية قصيرة بعنوان “الديك الذهبي عام ١٩٨٠، قبل ست سنوات من وفاته، وقبل ذلك ظل لسنوات يكتب رواية انتظرها الصحفيون والمتابعون طوال عقدين من الزمن، ظل رولفو يكتب روايته “سلسلة الجبال” طوال هذه الفترة، لكنه لم ينته منها، ولم تصدر أبدًا!
وعندما سُئل عن توقفه عن الكتابة قال “لأنّ العم ثيلرينو قد مات، وهو من كان يلقنني القصص، كان يمشي معي وهو يتحدث، كان كذاباً كبيرًا”، كما ورد في مقال أ. علي حسين في موقع ملاحق المدى بتاريخ ١٨ مايو ٢٠٢٢.

بيدرو بارامو رواية فذة، صعبة، سابقة لزمانها، وهي أحد المفاتيح الرئيسة التي فتحت أبواب أدب الواقعية السحرية وألهمت مئات الكتاب، حد أن جابرييل جارثيا ماركيز قال ذات مرة أن رواية بيدرو بارامو هي الرواية التي كان يتمنى لو كان هو كاتبها.

بإيجاز شديد؛
يعود خوان بريثيادو إلى قرية كومالا مسقط رأس أمه عقب وفاتها، تنفيذًا لوصيّتها بالبحث عن أبيه بيدرو بارامو، يصل خوان إلى كومالا فيجدها قرية مهجورة، لكن العديد من الشخوص سرعان ما يقابلونه، والكل يعرف بيدرو بارامو، الذي مات منذ زمن غير معلوم، لكن أثره باق وممتد، لأنه امتلك ذات يومٍ هذه القرية وقاطنيها، تدريجيًّا يدرك خوان أنه يعيش بين أشباح أهل القرية، فكومالا هي مديتة الموتى، والجميع هنا ضحايا بيدرو بارامو.

عبقرية السرد هنا تكمن في سلاسة وبساطة التحول في نقنيات السرد، فالرواية تهب صوت الراوي إلى خوان بريثيادو في البداية، ليسرد رحلته إلى كومالا، بينما أصوات وحكايات الموتى تقاطعه عبر استدعاءات ومونولوجات تكشف حكاية كل منهم على حدة، قبل أن تشتبك الحكاية بالأخرى بخفة الحواة، وخلال الثلث الأخير من الرواية يتلون السرد بضمير الغائب، فيشار إلى خوان بريثيادو من بعيد، لماذا؟ لأنه مات في كومالا بدوره! قتلته الدهشة، أو الخوف، أو الصدمة، أو كل هذه المشاعر ممتزجة باكتشاف حقيقة الأب الذي بات شبحًا لم يغادر كومالا!

يمرر رولفو الكثير من الصور السرديّة عبر شخصيّات حكايته، أو أشباح كومالا، فهناك بيدرو بارامو وولده ميجيل، ودولوريس والدة الراوي خوان، والكاهن المتخاذل وابنة شقيقه المغتصبة، والمحامي، والثوار العشوائيون الذي هم أشبه باللصوص، وسوزانا، والرجل الذي عشق أخته فاحتفظ بها حبيسة دارهما، ومتسولة القرية، والعديد من الشخصيّات الأخرى التي كنت أتمنى لو امتدت الرواية لثلاثماة صفحة إضافية حتى أواصل الاستماع إلى حكاياتهم المغمسة بالقعر والشجن، ورؤاهم الثاقبة عن المسافة الشاحبة الضئيلة بين الموت والحياة…

حكاية غرائبيّة فريدة ومحيّرة، كانت حسب ظني حجر الأساس لتيار أدبي جديد، لم ينضب حتى اليوم، حتى بعدما نست الغالبية خوان رولفو، الرجل الذي فتح مصراعيّ بوابة الخيال، واستسلم لمزاجيّته وسجيّته التي أجبرته على الإيمان طيلة الوقت أنه لم ولن يكن يومًا، كاتبًا محترفًا!

لماذا تكتب سيد خوان؟ سألوه ذات يوم، فأجاب؛ لأنني كنت أبحث عن الهدوء!

نصيحة صادقة، لا تفوتوا قراءة هذه الرواية!

#محمد_سمير_ندا

محمدسميرندا

أضف تعليق

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ