من يوميات أب في إجازة المدرسة (إجازة نصف العام 2022-2023)

12 يناير 2023

بدأ الأولاد إجازة نصف العام…

انخفض سعر الدولار صباحًا…

وصلتني رسالة من مجهول عبر الماسينجر يتهمني صاحبها بالتبشير بالكتابة العربية على حساب الكتابة المصرية، وكيف يُدلّل ذاك على انخفاض منسوب الانتماء لديّ(!)، وفي طيّات الاتهام الأول يستقرُّ اتهامٌ ضمنيٌّ بالترويج لما تصدره دار لبنانية على وجه التحديد…

أحببت لفظ “التبشير”، واكتفيت بعمل بلوك من دون رد على المدّعي الكريم…

ذهبت إلى مكتبة تنمية للاستفادة من خصومات معرض تنمية الكبيرة…

اشتريت رواية لكاتبة سعودية وثلاث روايات إيطالية ورواية مصرية…

جمعتني بعبد الرحمن مناقشة عامرة بالشجون عن بدر الديب وعبد الحكيم قاسم وصبري موسى، واتفقنا على أن مشروع مختارات الكرمة هو أفضل وأصدق مشروع ثقافي منذ بداية القرن الحالي……

استقر سعر الدولار منتصف اليوم…

أجريت خمس تغييرات بالسالب في لعبة فانتاسي الدوري الإنجليزي…

أنهيت قراءة رواية سومر شحاده “الهجران”، بكيت شخصية عزيزة، ومنحتها ٥ نجوم على جودريدز…

بدأت الاستماع إلى رواية لأفونسو كروش على ستوري تيل…

ارتفع سعر الدولار مجددًا نهاية اليوم…

تذكرت كلمة “التبشير” فزالت غصة انتكاسات الجنيه، ولم أنس عزيزة…

عدتُ إلى المنزل ودماغي تعج بالحسابات…

بحثت عن رواية بياتريس لبلزاك ولم أجدها…

أضفت خمس صفحات إلى نص آخذ في النمو والتشكّل، آلمتني كثيرًا نهاية وضعتها لشخصيّة أحببتها في النص…

سجل ليفاندوفسكي هدفًا لبرشلونة…

واصلت قراءة رواية حجر السعادة للروائي العراقي أزهر جرجيس استعدادا لمناقشتها يوم السبت… 

توقفت عن التفكير في الأرقام والحسابات المنزلية…

لم تزل كلمة “تبشير” تسبب لي أثرًا محبّبًا يعاكس -ربما- ما أراد قائلها إن تتركه لديّ من أثر؛ فلو كانت للإشارة إلى أدبٍ (أرى أنه) متميّز قداسة التبشير، فذلك أمر لو تعلمون عظيم!

أحاول فعليًّا أن أتذكّر: ما هي الدار اللبنانية التي تُراني أروّج لأعمالها من دون قصد؟ فلا أعرف!

أتوقف عن متابعة رقصة استربتيز العملة المحلية…

وأقرر مواصلة التبشير…

يتبع…

13 يناير 2023

لم أعد أراقب حركة الدولار رغم مقتضيات العمل التي تفرض عليّ ذلك …

أنهيتُ رواية أفونسو كروش وبدأت قراءة رواية لفتت نظري لكاتبة أرجنتينيّة، تدور أحداث الرواية على مقربة من مخدع بابلو نيرودا…

أحاولُ تفادي حساب ميزانية معرض القاهرة للكتاب في ظل ما أسمعه عن الارتفاع الجنوني في أسعار الورق…

قطعتٌ شوطًا كبيرًا في رواية أزهر جرجيس “حجر السعادة” وهي رواية ممتعة ومؤثرة حتى الآن…

ما زالت حسابات مصروف البيت تشغلني، خصوصًا وقد باتت بالونات الاختبار المعلقة في سماء القاهرة -محملة بإشاعات عن قرب ارتفاع سعر البنزين- واضحة وضخمة توشك على الانفجار…

خلال يومين من العمل المسائي، نقّحت (وربما أعدت كتابة) ١٣٠ صفحة من النص الروائي الذي قاطعته منذ شهرين بسبب امتحانات الأولاد التي تصورت لوهلة أنها لن تنتهي…

صففتُ أعمال كنوت هامسن في رفّ قريب على استعداد لقراءتها توازيًا، وهو أسلوب قراءة أحبّه كثيرًا، أي قراءة أكثر من عمل روائي لنفس الكاتب في ذات الوقت، والتقاط نقاط التلاقي، وأوجه التشابه في صنوف وألوان الهمّ المختزن في وجدان الكاتب…

شعرت بانجذاب شديد إلى نظرية أكياس الشاي المنسوبة إلى بابلو نيرودا….

في إطار العمل؛ أجريتُ بحثًا عن أسعار أجهزة اللابتوب، فاكتشفت أن سعر موديل لابتوب اشترته الشركة منذ خمسة أشهر ارتفع من ٢٢ إلى ٤٥ ألف جنيه، نفس اللابتوب، نفس الموديل…

أجريت تغييرًا سادسًا بالسالب في لعبة فانتاسي الدوري الإنجليزي نظرًا لطرد اللاعب البرتغالي جواو فيليكس بعد خمس دقائق من شرائي له أمس…

قال صديقي عمرو إن ما كنا نشتريه منذ شهور بسلاسة، أصبح اليوم بسلاسة ونصف! فعرفت أن المصريين مازالوا يتعكزون على النكات لتمرير ارتفاع الأسعار وتسكين مواضع الألم والخوف، وضحكت حتى دمعت عيناي…

فكّرتُ في كيفيّة تخفيض ميزانية معرض الكتاب وتحويل جزء منها لمصروفات ترفيه الأولاد بعد ثلاثة أشهر من العذاب الدراسي الممنهج الذي تتبناه وزارة التربية والتعليم…

قررت حلاقة شعري، ثم تراجعت، آثرت الاتصال بأبي رامي (الكوافير؛ لا الحلاق وفق المسميات العصريّة) لمعرفة أسعار الحلاقة -تصفيف الشعر- الجديدة..

انشغلتُ بتخيّل كيفية معيشة محدودي الدخل في ظل الغلاء المستعر، ثم شاهدت فيديو يعرض صراعًا همجيًّا بين متوسطي الدخل بغية شراء شاشات التلفزيون ذات الأربعين بوصة في كارفور، فعرفتُ أنني لن أفهم أبدًا…

عرجتُ على مكتبة تنمية، سألت عن رواية للطاهر بنجلون أعرف أن إعادة قراءتها ستبكيني، ولحسن الحظ لم أجدها، سارعت بالمغادرة عملا بنظرية نيرودا التي سأشرحها في يوم آخر لو لم أنس…

هاتفتُ بأمي، لامتني لأن ذاكرتها أنبأتها أنني لم أهاتفها منذ أسبوع، لم أذكّرها أننا تحدثنا أمس عدة مرات. اعتذرتُ، وشعرت بحنينٍ يجرفني إلى زمانٍ كانت تصنع لنا فيه الهواتف من علب الزبادي الفارغة وخيوط ماكينة خياطتها السينجر الأثيرة، كانت أمي لا تَنسى وقتذاك…

قمتُ بتحميل ملف رواية بنجلون (حين تترنح ذاكرة أمي) من تطبيق تيليجرام…

نسيت أن أتصل بأبي رامي…

مرة أخرى، تأكدت أن أغنية مدحت صالح “حنّيت للبيت” الخاصة بمقدمة مسلسل “راجعين يا هوى” كفيلة بأن تبكيني في أي وقت…

واصلتُ الكتابة بشهية لم أعتدها منذ زمن…

تابعتُ القراءة في الفواصل بين جولة كتابة وأخرى…

تقدمت مصر على كرواتيا في كأس العالم لكرة اليد…

نقضتُ عهدي وقررتُ متابعة سعر الدولار، فوجدته كما تركته البارحة: ٢٩.٥٠، إذ كان اليوم جمعة، والحكومة في إجازة، والبنوك في إجازة…

بينما عقول المصريين في وردية قلق مفتوحة…

والثقوب في حجرات ذاكرة أمي باتت كافية لمطالعة الجدران التي تشيخُ خلف ثوبها الفوّاح بعبق كعكات عيد الميلاد…

قمت بحذف ملف رواية بنجلون…

15 يناير 2023

قررت أن أحلق شعري (أو أصفّفه) اليوم…

أنهيتُ قراءة رواية حجر السعادة وحضرتُ مناقشتها مع الكاتب أزهر جرجيس من خلال نادي صُنّاع الحرف، كانت المناقشة ممتعة كالرواية، ولعلّ ما أثراها كان تفاوت الآراء، المهم أن ثلاث ساعات كاملة كانت كافية لمناقشة (بعض) محاور هذا النص، وليس كلها، وكان أزهر سعيدًا في نهاية الأمر…

رتّبت لي زوجتي موعدًا مع الحلاق (أو الكوافير).

في هذا العالم: هنالك الكثير من الأمور البسيطة التي لا تكتمل بساطتها إلا بتدخل النساء، فمن دونهن تغدو بعض الأمور التافهة شاقة مستحيلة، لكنهن يمتلكن تلك القدرة السحرية على تهدئة الطفل القابع في وجدان كل رجلٍ يواري طفولته السرمدية وراء شارب تتفاوت كثافته، أو خلف حنجرة تُذهله خشونة نبراتها قبل الآخرين…

خطّطتُ للكتابة عن خمس روايات رائعة قرأتها مؤخرًا؛ وارث الشواهد ومساكن الأمريكان والحالة الحرجة للمدعو كاف والهجران وحجر السعادة، لم تهبني وتيرة اليوم المتسارعة الأمد اللازم، فأجّلت الأمر ولم ألغه…

ارتفعت أسعار الحلاقة/تصفيف الشعر بما يعادل ٢٠%، وهو ما يماثل الزيادة في الزاوية المنفرجة التي تصوّر انبطاح الجنيه أمام الدولار، أحببت كثيرًا دقة من يقررون رفع السعر…

أنهيتُ قراءة رواية مترجمة قصيرة، ولم أعرف لو كانت الكتابة الأصلية -باللغة الإسبانية- جيدة أم لا، بلغت الترجمة من السوء أن حولت هذا النص إلى بضع لقيمات غير صالحة للمضغ قبل البلع، الغريب أن الدار الناشرة للنص متميزة، ولا تنشر الغث من الكلم، لكن التوفيق جانبها مع هذا المترجم، لن أذكر اسم الدار ولا النص ولا المترجم ولا المؤلف المسكين الذي شُوّه نصّه.

كتبت ٢٠ صفحة في نص قيد الكتابة تدور أحداثه عام ٢١٧٤ م، هذا النص يضحكني كثيرًا واستمتع به على الرغم من علمي بصعوبة استكماله، واستحالة نشره، لكنني ألجأ إليه في فترات الراحة، حين أهادن المخطوطة الأكثر جدّية وأهميّة حسب رأيي، فأبتعد عنها وعما تسببه من همّ وشجون…

في الصباح، قمتُ بتحميل برنامج ستار ميكر مع ابني الأكبر، حاولت تشجيعه على تسجيل الأغاني بصوته على البرنامج، طلب مني النصح وقد بدا مترددًا، فانتهى الأمر بتسجيل صوتي على أغنية “ستو أنا” لأكرم حسني، وفقداني لجزء غير يسير من وقار الأب “المفترض” عقب الاستماع للتسجيل!

في إطار مناقشة غير مخطط لها مسبقًا عن المذيعتين رضوى الشربيني وياسمين عز، وجدتُ أن كلتاهما تبدوان أشبه بقطتين في الربيع، الأولى تستخدم أظافرها وتميل إلى المواء الصارخ، والأخرى تميل إلى الاستكانة والخضوع، وفي كلتيهما إحالة صارخة إلى الصفحات الأخيرة من ثلاثية الأجراس لإبراهيم نصر الله، تلك السطور التي يختتم بها كل روايةٍ من ملهاته الحزينة…

في المساء، عقب مناقشة حجر السعادة؛ قال أبو رامي أن الشعرة البيضاء التي استطالت من حاجبي الأيمن وخاتلتْ بصري ليومين ليست سوى رسالة من الزمن مفادها أن العمر يمضي، قلت له إنني لم يسبق أن ميّزت شعرة بيضاء في حاجبي، وكنت قد نزعتها فور اكتشافها عقب يومين من محاولات تلميع النظارة الطبية لمعالجة الرؤية، فقال إن هذا لم يصادفني من قبل لأنني لم أكن يومًا في الخامسة والأربعين، أما الآن فقد بتُّ في منتصف الأربعينيّات وعليّ أن أتأقلم مع ما قد يستجد. فهمت إشارة الزمن، وأسررتُ لنفسي أن تبًا لك يا أبا رامي!

بدأت قراءة رواية اللاهي لجان دوست، رواية أقل ما توصف به أنها مجنونة، ولكنها ذات جنون محبب إلى القلب والعقل.

انتهيتُ من حساب الميزانية المخفضة لمعرض الكتاب وحرصت على إبقائها طيّ الكتمان. الميزانية تراعي ضرورة الحصول على الكم الأكبر من الكتب العربية أولاً لأنها لن تتواجد بسهولة بعد المعرض، عقب ذلك سيكون لي في تنمية صولات وجولات شهرية…

أنتظرُ مباراة الكلاسيكو مساء اليوم، أعرف مسبقًا أن ولديّ سوف يتناطحان خلال المباراة، فأحدهما عاشق لذكرى البرغوث الأرجنتيني والآخر لم يزل يؤمن بسطوة الملكي الأبيض وفاءً لذكرى صاروخ ماديرا، أعرف ما سوف يجري لأن الآباء يعرفون كل شيء. تمنيت وأنا أتصور صراع الديكة الليلي المنتظر أن تظل خلافاتهما في نطاق كرة القدم أبد الدهر، وتوقعت أن تنحسر هذه الصراعات فورما يكبران ويغدوان أكثر تعقّلاً، ثم تذكرت أن أول ما فعلته صباح اليوم كان إرسال رسالة لشقيقي الأصغر نكاية به لأن ميلان الإيطالي تعادل البارحة مع ليتشي واتسع الفارق في الصدارة بينه وبين نابولي إلى تسع نقاط، فقلت لنفسي؛ لا، فليظلا كذلك للأبد…

قرر المجلس الأعلى للإعلام إيقاف مذيعة لم يسمع بها أحد لأنها ارتدت ثوبًا قصيرًا في برنامجها حسب ما فهمت، قيل كذلك أن الإيقاف جاء بسبب طريقتها في التحدث مع أحد الضيوف، إذ أفاد خبراء السوشيال ميديا أنها ارتكبت فعل (التسبيل والسهتنة) خلال حوارها مع أحد الضيوف. قرارُ مجلس الإعلام وضَعَ المذيعة وبرنامجها وفستانها القصير وصوتها الشتوي في مقدمة قوائم البحث (أو التريند) خلال الساعات الأخيرة. من الجدير بالذكر أن اسم البرنامج الذي تم إيقافه هو “الجمهورية الجديدة”…

فكرتُ في نشر ترشيحات معرض القاهرة، أي التنويه بالكتب التي أنصح بشرائها، شعرت بأثر من الارتباك سببه الاتهام الأخير بالتبشير بالكتابة العربيةـ، فآثرت التريث…

أعدتُ قراءة الصفحة الأخيرة من روايات نصر الله المعنونة بثلاثية الأجراس…

قررتُ أن أشكر زوجتي على تشجيعي للذهاب إلى أبي رامي، وفكرتُ في الاعتراف لها أنني أحبّ تأديتها لدور أموميّ تجاهي على الرغم من كوني الأكبر سنًا وصاحب القوامة الذكورية المقدّسة، لكن اعترافًا كهذا كان كفيلاً بنسف اعتراضي الدائم على أنني لم أزل طفلًا يعوزه النصح والتوجيه…

نسيت أن أشرح نظرية أكياس الشاي مرة أخرى!

تلقّيت رسالة من صديقي (س)، رسالة مترعة بالأسى عن الوحدة وما تسببه من ترنّح عود المرء منّا، مهما علا شأنه وبدت نجاحاته ذات أثر راسخ، ترحّمت على أبي، وأسفت لصديقٍ لا أملك له سوى كلمات مواساة صادقة لن تلبث أن تفقد حرارتها في المسافة الفاصلة بين هاتفي وهاتفه البعيد…

لن أتصل بأمي اليوم…

أجريت بحثًا على جوجل للتأكد من صحة كلمات أبي رامي، فجاءت النتائج كالتالي: مساحيق التجميل الخاطئة، التدخين، اضطرابات المناعة، الوراثة، عدم تناول الوجبات صحية، سوء التغذية، العوامل الهرمونية، عدم توازن الصبغات، التقدم في العمر. لم أعرف لماذا وضع كاتب هذه المعلومات السخيفة “التقدم في العمر” في نهاية طابور الأسباب المحتملة لبزوغ شعرة بيضاء في الحاجب، إذ كنتُ على وشك التيقّن من خطأ أبي رامي وقتما داهمتني العبارة كصفعة تستقبل متشردًا كان على وشك الهرب من صقيع الشتاء، أسررت لنفسي: سامحني يا أبا رامي فقد ظلمتك، أنت محقُّ؛ فتبًّا لك مرة أخرى!

قررتُ إعادة قراءة كتاب أورويل، متشردًا في باريس ولندن، قبل أعمال كنوت هامسن.

قابلت صديقي (م) لأول مرة منذ شهرين تقريبًا، تحدّاني في لعب الطاولة، اعتقدَ أنني سأكون لقمة سائغة عندما أخبرته أن آخر من تبادلت وإياه رمي النرْد كان أبي الذي فقدنا نرْده منذ ٢٠١٣، اكتسحته في “عشرتين طاولة” متتاليتين، وأخبرته أنني لن أفصح عن اسمه في يومياتي التي لا يقرأها…

اتصلتُ بأمي فلم تجب؛ لن أكرر المحاولة…

ليلًا: قطعتُ أربعة آلاف خطوة غير مخطط لها مسبقًا، مشيتُ رفقة ولديّ مسافة كبيرة كان يمكن اختزالها بالسيّارة، لكنهما صمدا على رغم من عدم سماعهما لكلمات أبي رامي عن التقدم في العمر…

أخيرًا حصلت على نسخة من مجلة الإذاعة والتلفزيون التي تحوي حوارًا أجرته معي الكاتبة الصحفية هانم الشربيني ونُشر في عدد سبتمبر الماضي…

أعلنت منشورات إيبيدي عن عزمها الإعلان عن أغلفتها في الخامسة مساء اليوم، فقرّرتُ رفقة أخي الأكبر أنك نطبع بورتريه أبي -للفنانة منار عادل- على الخشب…

حذفتُ برنامج ستار ميكر من على الهاتف، فاستعدت مذاق النصر الذي خابرته منذ ساعات عندما اكتسحت صديقي محمود لطفي في لعب الطاولة…

اكتسح برشلونة ريال مدريد، لم يحدث أي صراع، فقد كان الولدان منشغلان بألعاب الموبايل ولم يتابعا المباراة؛ أي أحمق قال إن الآباء يعرفون كل شيء؟!

فتحت الصفحة الأخيرة من رواية ظلال المفاتيح لإبراهيم نصر الله، وجعلتُ أقرأ مأ أورده نقلاً عن (لسان العرب):

}لَها بالشيء، لهوًا: أولع به – لَها، لِهيانًا عن: إذا سلوت عنه وتركت ذكره وإذا غفلت عنه – ولَهت المرأة إلى حديث المرأة: أنِست به وأعجبها – قال تعالى (لاهية قلوبهم) أي متشاغلة عمّا يُدعون إليه، وقال (وأنت عنه تلهّى) أي تتشاغل – وتلاهوا: أي لها بعضهم ببعض – ولهوت به: أحببته – والإنسان اللاهي إلى الشيء: الذي لا يفارقه، وقال: لاهى الشيء أي داناه وقاريه. ولاهى الغلامُ الفطام إذا دنا منه – واللُّهوْة واللُّهيّة: العطيّة. وقيل أفضل العطايا وأجزلها{

مررت بغرفة ولديّ، شَغّلتُ كشّاف الموبايل مُربّتًا بالنور سُباتهما الهادئ، تفقّدت حاجبيّ كل منهما، ثم مضيت إلى فراشي مبتسمًا…

واتصلتُ بأمي….

يتبع…

17 يناير 2023

أولادك أم الكتب؟ سؤال كرّره ولداي كثيرًا خلال الأيام القليلة التي انقضت من إجازة نصف العام، بطبيعة الحال، جادلتهم كثيرًا عن ضرورة الاختيار بين المفروض والمأمول، ولماذا ينبغي عليّ الاختيار بين الاضطلاع بمهامي كأب، والقيام بما أحب أنا فعله، فالإجازة المدرسيّة إجازة لنا جميعًا وليست مقصورة عليهما! وقفتُ بينهما محتجزًا بين أنانيّة الأطفال وإيثار الآباء، أسألهما في سرّي؛ لماذا تتصوّران أن قضاء أربع أو خمس ساعات أمام البلاي ستيشن يعد أمرًا طبيعيًّا مقبولاً بينما يعدُّ تخصيصي لساعتين قراءة اقتطاعًا من وقتٍ ينبغي أن أخصصه لكما؟

كان الخلاف دائرًا بين استكمال قراءة رواية جان دوست، ومشاهدة أفلام ومسلسلات فاتتنا أثناء فترة العقوبة الدراسيّة، وكان ينبغي لي كأبٍ أن أتخذ قرارًا حازمًا يحدد طبيعة الحياة التي سأعيشها خلال ثلاثين يومًا مضى منهما خمسة أيام، وهذا ما جرى…

كما جرت العادة مؤخرًا، استقبلتُ الإعلان عن غلاف رواية أبي بالدموع، يبدو أن بكاء الرجال يغدو أكثر يسرًا كلما تقدّم بهم العمر، كأنني، وأنا في منتصف العقد الخامس من عمري، أعوّض غددي الدمعيًة عن كبتها لثلاثة عقود ونيف، بتُّ أبكي لسماع أغنية، أو تأثرًا بمشهدٍ في مسلسل لا أتابعه، أو في فيلم لا يعجبني، أدمع عندما أشاهد ولديّ يكبران، عندما يغنيان أو يلعبان الكرة، وعندما أهاتف أمي، فماذا بقي لي من المضحكات غير التصريحات الرسمية عن تعافي الاقتصاد وفوائد أرجل الدجاج، وفتاوى الشيوخ عن أكل ورق الشجر؟

أفكر في تبنّي مبادرة لتكريم ياسمين عز ورضوى الشربيني ورئيس نادي رياضي شهير أخشى ذكر اسمه، فهؤلاء هم سفراء الملهاة المصرية الراهنة، مع اعتذاري للكاتب الكبير إبراهيم نصر الله عن اقتباس الاسم من سرديّاته الخالدة المعنونة بالملهاة الفلسطينية.

قررتُ، بمشورة من زوجتي، أن أجبر الولدين على تخصيص ساعة يوميّة للقراءة، لا يحصلون من دونها على أي وسيلة أخرى للترفيه، سأضطر في البداية إلى الاستجابة لنزعة الفرنجة لديهما وأقبل بقراءتهما الروايات بالإنجليزيّة، ففي نهاية الأمر كنت أنا المتفرنج الذي اشترا لهما هذه الكتب، هذا على أن تكون القراءة بداية من إجازة الصيف بالعربيّة فقط، لا أفهم المنطق الذي يحث بعض الآباء على التباهي بلكنة أبنائهم الإنجليزية أو الفرنسية، علاوة على تفاخر بعضهم بأن أولادهم يتحدثون “عربيّة مكسّرة”.

عمومًا؛ خلال ساعة القراءة التي سأجبر عليها ولديّ، ستكون لديّ فسحة من الوقت للقراءة والكتابة، تبًّا لذكائي!

أعمل على وضع قائمة ترشيحات لمعرض القاهرة للكتاب، كما أحضر قائمة توقعاتي للقائمة الطويلة للبوكر المقرر الإعلان عنها يوم الثلاثاء القادم، تبدو ترشيحات المعرض أسهل نسبيًّا، وفي الغالب سوف أضع قائمة توقعات البوكر من الروايات العربية التي قرأتها، مع تجنب ترشيح روايات مصرية رفعًا للحرج، فقد بات الوسط الثقافي في المحروسة ملبدًا بالشكوك سريع الاشتعال، ضيق الصدر والأفق، قد يرسّخ هذا اتهامي بالتبشير بالكتابة العربيّة، وربما يسعدني هذا، فمحاولة إثبات العكس لا تناسبني…

قالا لي: أنت تحب الكتب أكثر منا! ولم أفهم لماذا عليّ أن أكره الكتب كي أثبت حبي لهما، عملت بنصيحة الأصدقاء فقلت لهما أنهما يحظيان بمكانة خاصة لا تنازعهما فيها كتب ولا هواية، فأبديا اقتناعًا زائفًا، ولمحت في عينيهما عبارات على شاكلة “لا جدوى من مناقشة هذا الرجل، لقد جنّ رسميًّا”.

يقول بابلو نيرودا، والعهدة على ماريا فاسّ مؤلفة الرواية الرائعة “امرأة الجزيرة السوداء” أن تصرفاتنا يجب أن تكون بمقياس أكياس الشاي، فكل تصرّف يجب أن يتسق مع الزمن اللازم والكافي له، فأكياس الشاي يجب أن ترفع من الأكواب بعد فترة محددة حتى تترك الأثر الأمثل رغم اختلاف الأذواق، وبالتالي فإن التمادي في تصرف ما أو شعور ما هو أشبه بوضع كيس الشاي في البحر وانتظار البحر لكي يمنحك مذاق الشاي، ورفع كيس الشاي من الكوب بعد ثانيتين من وضعه لن يمنحك سواء الماء العكر، وهكذا. أحببت هذه المقولة لأنني أطبقها بشكل ما منذ سنوات، وشعرتُ بالفخر لأن ثمّة فكرة جمعتني بأحد أعظم الشعراء في التاريخ، فكثرة الظهور، وكثرة الاشتباك، وكثرة التواجد في المناسبات الثقافية، وكثرة البكاء على لبن سكبه عابر عن غير عمد، وكثرة التركيز مع هذا وهذه وتلك وذاك، كلها أمور تجعلني أشرب من البحر وأنا أتوقع من ماءه المالح أن يمنحني مذاق الشاي لأنني نثرت بين أمواجه حفنة -ظننتها- ضخمة من أكياس الشاي، وعلى الجانب الآخر من نهر النظرية، لا مفر من إعطاء الوقت الكافي للأمور المهمة، وإلا سبحت أيامي في مياه راكدة عكرة، لا هي صالحة للشرب، ولا لها مذاق الشاي… شكرًا سنيور نيرودا…

ما زلت مصرًّا على استكمال القراءة عوضًا على مشاهدة المسلسلات…

تساءلت لوهلة، هل يعد الإفراط في القراءة والكتابة معارضًا لنظرية نيرودا التي تنهض على الدعوة إلى عدم الإفراط واجتناب التقتير في ذات الوقت؟ لو صح هذا فلتذهب نظرية أكياس الشاي وبراد الشاي ونيرودا نفسه إلى جحيم دانتي…

خسر الزمالك من بيراميدز في كأس مصر، فضجّت مواقع التواصل بمنشورات السعادة والشماتة، انحسرت موجة البلوجر السعودية التي تشبه جورجينا رودريجز خليلة رونالدو الشرعيّة، ولعلها تسب الآن شيكابالا لأنه ركلها بيسراه من فوق قمة التريند. شيكابالا ذاته ربما يلعن الآن ياسمين عز، لأن أنباءً سرت اليوم عن إيقاف برنامجها وحرمان الشعوب العربية من صوتها الشتوي، وقيل إن السبب هو هدم قيم الأسر المصرية، لم يضحكني الاتهام، لكنني ضحكت عندما قرأت كلمة “قيم الأسرة”، بيد أن الشامتين كُثر، خصوصا النسويّات، وكذلك سيكون حال الرجال لو منعت رضوى الشربيني من الظهور… طاقة الشماتة لدى العرب، لو تم توجيهها إلى أي شيء إيجابي لكانت كفيلة بتحرير فلسطين، ووقف حرب أوكرانيا، وحماية الأرض من الاحتباس الحراري…

لم أزل مُصرا على مقاطعة مشاهدة المسلسلات… على الولدين أن يعرفا أن أباهما لا يتراجع أمام الابتزاز العاطفيّ…

تواصلت أخيرًا مع صديقي (ش)، واصلنا مناقشة مستمرة لا تتوقف عن الكتب وتوقعات قوائم الجوائز، أعتقد أن الدقائق التي أتبادل فيها أطراف الحديث مع (ش)، على الرغم من حرصي ألا أهدر وقته، تعد من أثمن الأوقات التي أشعر فيها أنني على سجيّتي، وأن ثمّة شخص في هذا الكوكب يشاطرني الانطباعات والتوقعات والاهتمامات…

أشهر بالإحباط والتقصير لأنني لم أكتب بعد عن الروايات الخمس التي تستحق الإشادة والتنويه، قريبا تصبح هذه الروايات تسعة بعد إضافي لاهي جان دوست وثلاثية الأجراس، أعتقد أن البشرية باتت في حاجة ماسة إلى مراجعة تقسيم اليوم إلى ٢٤ ساعة فقط…

هاتف أمي مغلق..  مؤكد أنها نسيت شحنه مرة أخرى…

أحببت كثيرًا أداء الفنان ماجد الكدواني في مسلسل موضوع عائلي، ممثل رائع فعلاً… نحن الآن نشاهد الحلقة السابعة من الموسم الثاني، وهو مسلسل عائليّ رائع في الحقيقة…

يتبع…

21 يناير 2023

نجحت في إيجاد الوقت اللازم للكتابة عن روايتين مهمتين “وارث الشواهد ومساكن الأمريكان”، ربما أدى ذلك إلى توقفي عن الكتابة في مخطوطتين أؤمن بهما كثيرًا ولا أثق في إمكانية نشرهما، لكنني أشعر بالرضا لأنني أديت شيئًا مما كلفت نفسي به…

تمرُّ أيام الإجازة بوتيرة تجعلني أستشيط بالغيظ، وما ازلت أجد نفسي مجبرًا على ارتكاب جريمة سرقة الوقت؛ من أجل القراءة والكتابة…

استعد لجولة جديدة من تحرير وتنقيح روايتي الجديدة، أجاهد بغية تصفية ذهني، لكن الأمر جدّ شاق…

ما زلت مستمتعًا بـ “لاهي” جان دوست، كنت أخشى أن تنتحي الرواية إلى عوالم أفونسو كروش في روايته “الكتب التي التهمت والدي”، لكن الخبير جان أجاد خلق عالمه الخاص ومنح أسطورية مغايرة لحكاية كاتبه العجوز.

إبراهيم نصر الله مصرٌّ على أن يبكيني كثيرًا، تلك المصائر التي اشتقّها من الواقع لهذا الكم من الشخوص في “دبابة تحت شجرة عيد الميلاد” لا يمكن لها إلا أن تترك في نفس القارئ أثرًا كهذا…

أشعر أنني مصاب بدرجة ما من تأرجح الشغف، فأجدني أحاول القراءة والكتابة في أكثر الأوقات ازدحامًا بالوجوه والأحداث، بينما أستستلم للشرود كلما هدأت الأصوات وانسحب الضجيج من حولي، كأنني أتعمد أن أصعّب المهمة على نفسي…

لم تنجح خطتي في إجبار الأولاد على القراءة حتى الآن، لا أودُّ أن أضغط عليهما أكثر مما ينبغي حتى لا ترتبط القراءة في ذهنهما بالعقاب والصخب أبد الدهر، ربما يتم كل شيء في أوانه المسطور في صحف المصير، لكنني محبط…

صديق الكاتب (ع. ح) في القاهرة أخيرًا، كان هذا الخبر كفيلاً برفع روحي المعنوية، خصوصًا وأننا على وشك اللقاء لأول مرة منذ معرض الرياض، وهذه المرة سيكون اللقاء بعيدًا عن التزامات العارضين وشروط المنظمين…

أنهيت تحضير قائمة توقعاتي للبوكر، قال (م) أنني أهتم بهذا الأمر أكثر مما ينبغي، ربما هو محق، لكنه لا يعرف أنني ألعب، فقط أمارس لعبة التخمين، فأنا جوزائيّ يحب اللعب ويخلط الجد بالهزل في الكثير من الأوقات؛ أنا ألعب حين أحاول الكتابة، وألعب حين أتحدث عن كتابة، تمامًا كما ألعب عندما أحاول التنبؤ بعناوين الروايات في قوائم الجوائز، تلك لعبتي المحببة التي لا تحتمل التأويل والتأنيب، فتبُّا لك يا (م)…

في منتصف اليوم، شعرتُ أنني أشيخ…

تلقيت هدية لطيفة لا أقبلها في العادة، وهي الكتب، صديق لا تجمعني به علاقة واقعية خارج العالم الأزرق، أهداني ثلاثة كتب، أعتقد أنني قبلت الهدية لأنها كتب، خصوصًا وقد رَفع عني الحرج أن هذا الصديق لم يكتب أي منها…

قرّرتُ ألا أستخدم كلمة “سرمدي” في يومياتي، فقد قال (ل) أنه يتوقف عن القراءة عندما يجد مثل هذه الكلمات المتكلفة المعقدة، وأنا لا أريد أن أبدو معقدًا متكلّفًا، وأريد أن يستمتع الجميع بالقراءة، ذلك إن كانوا من المهتمين…

توصلت اليوم إلى تفسير لتغيرات طرأت عليّ مؤخرًا، فالإنسان – على ما يبدو – كلما تقدم به العمر يبحث عن حيّز أكبر من الهدوء والسكينة. الإنسان بطبيعته مسافر أبدي (رحم الله الأستاذ علاء الديب)، مسافر يركض في مضامير الرزق لتأمين قوت العيال، أو في مضامير الفَكر بحثًا عن إجابة وعن نور بيان، هذا ما فُطرنا عليه، وما وجدنا عليه آباءنا. لذلك فالمسافر الأبدي الذي اعتاد صفير القطارات وزفير المغادرين وضجيج نظرات العابرين التي ترشق سهام الفضول في وجوه المسافرين، عندما يصل إلى قرار بالتوقف عن السفر، أو اللجوء إلى هدنة يلتقط فيها الأنفاس ويتفقّد خلالها ما سقط من حقائب العمر، وما بقي لديه في رصيد الأيام، يغدو أكثر حساسية تجاه الصوت، فيزعجه أخفت بكاء لرضيع، وتؤرقه قطرة ماء تتسرب من حوض المطبخ، ويلعن حتى زقزقة العصافير إذا قاطعت حلمه مع شروق الشمس…

الهدوء إذن هو ما يحتاج إليه كل من جاوز الأربعين، فهل يعدُّ هذا من الممكنات في هذا العصر؟ لا أعتقد، ولا آمل أن أحظى بالهدوء قريبًا، لكنني على الأقل وجدت تفسيرًا لما كان يؤرقني، وهذه خطوة في صحيح المسار…

راودتني فكرة تحولت خلال نصف يوم إلى نوفيلا صغيرة من ٦٠ صفحة، عنوانها “مملكة أضعف الإيمان”، واضح أنني لن أسعى إلى نشرها، لكنني سأحرص على وضعها بعناية في درج المؤجلات التي قد تنشر بعد مغادرتي هذا العالم، لدي الآن قرابة ١٠ نوفيلات لا أسعى جديًّا إلى نشرها، لا، بل سعيت إلى نشر ٦ منها وكانت هناك موافقة على نشرها، ولكنني لا أتذكر لماذا توقف الأمر!؟

قرب المغيب شعرت أنني أصغر سنًا عما اعتقدت وقت الظهيرة…

أحضّر للكتابة عن روايتيّ حجر السعادة والحالة الحرجة للمدعو كاف، ولا أعرف كيف سأنظّم وقتي بين الكتابة والقراءة مع أعمال تحرير وتنقيح الرواية قيد النشر، واقتراب معرض الكتاب، ورغبتي في مقابلة الأصدقاء؟ لا أعرف…

رواية تاريخ العيون المطفأة للكاتب السوري القدير نبيل سليمان رواية فذّة، لا أعرف لماذا لم يتحدّث عنها أحد! هذا ظلم بيّن!

قررت أن أكتب عرضًا انطباعيًّا مطوّلاً عن ثلاثية الأجراس، سيجعل هذا يجعل عقلي أكثر صخبًا وازدحامًا، لكني سيغدو أكثر هدوءً كلما أطلقتُ سراح الشخوص والحكايات تدريجيًّا…

سأعلن عن قائمة البوكر (التي أهتم بها أكثر مما ينبغي) مساء الأحد، وليذهب صديقي (م) إلى جحيم سرمدي…

بدأت أشيخ مرة أخرى مع حلول المساء…

أفكر أن أكتب قصة عن شخص يولد ويموت خلال اليوم، فيخابر الحياة كاملة في يوم واحد، ثم يكررها في اليوم الثاني بصورة مغايرة، يولد في الفجر، يتزوج مع حلول الظهيرة، ينجب وقت آذان العصر أبناءً سوف يرعونه بعد صلاة العشاء، حتى يموت مرة أخرة قبل الفجر، ثم يولد من جديد بعد صلاة الفجر… أرجو أن يفيدني الأصدقاء لو كانت هذه الفكرة قد كتبت من قبل حتى أقرأها عوضًا عن كتابتها…

يبدو أنني استخدمت كلمة سرمدي مرة أخرة، الأخر الذي قد يُغضب صديقي (ل)…

تقام اليوم مباراة الأهلي والزمالك، توقفت عن تشجيع الأهلي بحماسٍ مذ غادره حسام حسن، ولكنني عدت إلى تشجيعه نكاية في رئيس الزمالك الخلوق، أتمنى ألا يخسر الفريقان كي لا يشتعل الفضاء الأزرق بشهب الشماتة والكوميكس، ولكنني في ذات الوقت أتمنى أن يحدث ما يُحزن الخلوق…

حذفتُ لتوّي فقرتين من هذه اليوميات وجدتُ أنهما يحيدان عن القصد…

كتبت “يحيدان على القصد” لأنني أحببت العبارة، والواقع أنني لا أعرف القصد من هذا اليوميات، كل ما أعرفه أنني أمارس اللعب في الإجازة…

سَرمَديّ: اسم مَنْسُوبٌ إلَى السَّرْمَدِ. عَمَلٌ سَرْمَدِيٌّ: دَائِمٌ، أَبَدِيٌّ أَوْرَثَهُمْ عَذَاباً ثُمَّ فَنَاءً سَرْمَدِيًّا، والسَّرْمَدُ: الدائمُ الذي لا ينقطِع، وحسب الفلسفة والتصوُّف: هو ما لا أوّل له ولا آخر، فهو خارج عن مقولة الزّمان، وموجود بلا بدء ولا نهاية…

السرمدية إذن لفظ يختصر عذابات الإنسان في سفرته اللانهائية في هذه الحياة، فالمرء منا يُقذف في قطار لم يختره، ثم يكلّف بمواصلة السفر والترحال حتى يصل إلى وجهة لم يُعلمه بها أحد، ولا يعرفها هو، لكنه مطالب بالنجاح، مأمور بعدم الخروج عن القضبان، فالالتزام بالمسار في مملكة أضعف الإيمان أمر إجباري وبديهي، لكن اختزال المسافة عبر الخوض في غيطان اللا-مألوف، يعد إثمًا يستحق إما الطرد، أو الجلد.. وهذا أضعف الإيمان…

أتوقف الآن عن الكتابة، لكنني غدًا أولد -لا ريب- من جديد، فأواصل اللعب.. والحكي السرمدي…

يتبع…

25 يناير 2023

انقطعتُ عن كتابة اليوميّات في ظل تربّص عقارب الساعة بخطواتي، وازدحام الأفق بالأشغال، بين العمل والبيت، وطيف أبي، وتوقّعات البوكر، وإصلاحات الطريق الدائري التي لا تنتهي، والقراءة ثم الكتابة فالقراءة…

وفق آخر إحصائيّة أجريتها، فأنا أقضي ما يعادل ٣٩ يومًا خلال السنة خلف مقود السيارة، وإذا أخذنا في الاعتبار ثبات كل من محل السكن ومحل العمل خلال الأعوام الأربعة عشر الأخيرة، فلقد قضيتُ ٥٤٦ يومًا في قيادة السيارة منذ عام ٢٠٠٨ حتى الآن، ما يعني أنني -خلال هذا الفترة- ظللتُ قابعًا في مقعد السائق ما يعادل سنة ونصف من عمري!

أنهيت قراءة ثلاثية الأجراس، ولا أجد في معجم اللغة لفظًا يوصّف الحالة التي خرجت عليها من أوراق إبراهيم نصر الله. هذه الملحمة، وكل ما خطّه نصر الله في ملحمة الملهاة الفلسطينية وكذلك في ملحمة الشرفات، تعدُّ إنجازات أدبيّة كافية لأن يعتلي الرجل منصّة نوبل بأريحيّة تامة، لكن يبدو أن ناحوم أوردو لم يزل جالسًا فوق دبابة مدفعها مصوّب تجاه ميزان العدالة…

أعيد الآن قراءة بعض أعمال الروائي السوداني القدير أمير تاج السر استعدادًا لاستضافته مساء السبت المقبل في ندوة بمكتبة تنمية، دوّنتُ عشرات الأسئلة ولم أزل حائرًا بين محاورة الإنسان أم الكاتب، أي الحديث عن مسيرة الطبيب الذي بات من ألمع كتاب جيله، أم التحدّث عن منجزه الأدبي وأرصدة الهموم المختزنة في وجدانه؟ أشعر بتوتر عظيم وإن كنت أثق أن كلا الأمرين سيقود إلى الآخر، أو يستدعيه…

أفكر في العمل كسائق تاكسي حتى أتوقف عن حساب ساعات القيادة اليوميّة في ظل إصلاحات الطرق التي لا تنتهي…

قلت لصديقي (ر): والله الموضوع بسيط يا صديقي

محاولة فهم الأنثى = إهدار صريح للعمر

الشعور بثمّة تفوق “ذكوري” فطريّ = مرض نفسي يجب التخلص منه في أسرع وقت وبأقصى درجة من ضبط النفس

المساواة والمشاركة مفتاح التفاهم = أي: السعادة

وتذكر: لا توجد سعادة دائمة ولا يوجد تفاهم كامل…

يا صديقي: للحب أربعة أعمدة ينهض عليها أساس العلاقة: الاهتمام، الثقة، المشاركة، الاحترام… فلو اختل أحدها مال البنيان، وباتت شعلة الحب آيلة للإنطفاء…

إنكار الطفولة انتقاص من الرجولة وتشويه للأنوثة، ولا يفضي إلا إلى إرباك الطرفين..

بالنسبة للرجل: احتواء المرأة احتواء للذات، وهو بمثابة الالتجاء إلى خندق في ذروة ساعات القصف، لذا؛ على الرجل أن يعرف أنه لكي يتفادى قصف طائرة حربية، عليه أن يبادر باحتواء الطائرة وقنابلها سريعة التلف!

مرة أخرى: لا تحاول أن تفهم كيف تطير الطائرة، دعها تطير وتهبط وقتما تشاء، فقط تجنب أن تجبرها على قصف أيامك بقنابلها العنقودية…

ألم أقل لك إن الموضوع بسيط؟

هل وقعت العقد في الكنيسة أم ليس بعد؟ أعني أن لديك فرصة .. لا .. لا أعني للتراجع…أعني الفرصة للاستعداد والاستيعاب… وقعت العقد؟ ألف مبروك يا صديقي…

لاحظتُ مسبقًا أن دموع الرجال تغدو سريعة الاشتعال بعدما يجاوزون الأربعين، وهذا ما جرى لي فور أن تسلمت نسخ رواية أبي الصادرة حديثًا عن منشورات إيبيدي، آلمني أنه ليس هنا لأقتسم وإياه لحظة كهذه، لكنني أثق أنه، بحسه السينمائيّ المرهف، قد أطل على هذه اللحظة من زاوية أكثر شمولاً تراعي توزيع الإضاءة وتناسق الظلال، وتزاوج كادراتها بين الدخان المتصاعد من سجائرنا وفوات الأيام، في مقاربة صوريّة لا يجيدها أحد مثله…

سألت صديقي (أ. ح) الذي يعرف كل شيء بداية من علاج التهاب المرارة بدون عقاقير طبية، وصولا إلى كيفية جني محصول التفاح من دون الحاجة إلى زراعة شجر التفاح، فأفاد أن فكرة تأجير تاكسي للعمل عليه حاليًا غير موفقة، وأشار إلى تعقيدات إجرائيّة لم أفهمها، فقررت تأجيل فكرة العمل كسائق تاكسي، على الأقل حتى زيادة أسعار البنزين قريبًا…

نست أمي شحن هاتفها على ما يبدو، فاتشح هاتفها الماكر ناكر المعروف بالصمت منذ أمس…

الأولاد يلعبون الكرة، وأنا مجبر على مشاهدة ركلهما للكرات عوضًا عن القراءة والكتابة، أفكر في إجبارهما على مشاهدة مسلسل الجذور المستوحى من رواية أليكس هيلي…

اليوم هو ٢٥ يناير، ذكرى الحدث الأهم في تاريخ مصر الحديث، أو أحد أهم الأحداث في تاريخ مصر حتى لا أبالغ، بل هما حدثان في الواقع: ذكرى ميلاد يوسف شاهين (٢٥ يناير ١٩٢٦)، وذكرى افتتاح حديقة الحيوانات في الجيزة (٢٥ يناير ١٨٩٠). وفي هذه المناسبة الهامة استدعيت أخبارًا مزعجة عن اتجاه الحكومة نحو إغلاق الحديقة أو بيعها أو استغلال مساحتها في مشاريع قومية جديدة، فشعرت أننا نظلم الحيوانات بتوجّه كهذا، لكن صديقي (أ. ح) الذي أحمد الله على وجوده في حياتي، وضّح لي أن تفكير الحكومة بهذه الطريقة جاء فقط بعد رفض الحيوانات لارتفاع الأسعار، وإضراب بعضها عن الطعام، وتعمّدها ادّعاء النحول والإعياء أمام الزوار بغية إحراج الحكومة… فشعرت بالتعاطف مع الحكومة…

سأكون في معرض القاهرة يوم السبت، وقد أقوم بزيارة سريعة يوم الجمعة…

ما زلت متأخرًا في كتابتي عن روايتيّ أزهر جرجيس وعزيز محمد، ومن المفترض أن أكتب عقب ذلك عن اللاهي وثلاثية الأجراس وصندوق الرمل… 

من المفرح أن صديقي الكاتب (ج. ب) وصل القاهرة، وكان صديقي الكاتب (ع. ح) قد سبقه منذ أيام، التقيته في ريش وتشاركنا سويًّا سرقة ساعة ممتعة وثرية من جدول أيامنا المزدحم…

صديقي (ر) يبدو تعيسًا بما بكفي لأن أشعر بالذنب تجاهه، أما صديقي (ب) فهو من المبشرين بالمساكنة نكاية في أعراف الزواج والعقد المجتمعي… لا بد أن أعرّف (ر) إلى (ب)، ثم أجبرهما على قراءة رواية الجوع لكنوت هامسون…

رأيت نفس الحلم ثلاث مرات خلال الأسبوع الأخير، أراني واقفًا إلى جوار سبورة قديمة، وأبي في بدلته الصيفية ذات اللون الرمادي هو المدرس، يسألني بجفاء -لا يليق به- بضعة أسئلة فلا أجبه، يكرر فأقول لا أعرف، كل الأسئلة تتمحور حول التاريخ، يستبدل سؤاله عن الشهيد عبد المنعم رياض بسؤال آخر عن امرأة تدعى ست الملك، ثم سؤال عن صحفيّ اسمه رضا هلال، فأقول له عقب كل سؤال؛ لا أعرف، وينتهي الحلم كل مرة بذات العبارة؛ لا أحد يعرف الإجابة، لا أحد إلا محمد عطيان، فابحث عنه…

بحثت عن المدعو عطيان، وليتني لم أفعل…

يتبع…

2 فبراير 2023

عودة بعد غيبة، وشهيق عميق بعد أيام حُبستْ فيها الأنفاس بأمرْ من سلطان القلق، يعقبه زفير أطلقه هنا، علّني بذلك أشعر أن الحياة عادت إلى عاديّتها…

كتبتُ باستفاضة عن الأيّام الأخيرة، بكل ما حوته من خوفٍ واكتشاف متأخّر للنفسٍ، وإعادة ترتيب لأولويات الحياة. لم أنشر ما كتبته حرصًا على خصوصيّة الحكاية، ولأنها لا تخصّني وحدي، وحسبي أنها مرّت بسلام، كما دُوِّنَت بسلامٍ في أوراقٍ أقدر على استعادتها وقتما شئت…

أنهيتُ قراءة أكثر من رواية خلال الأيام الأخيرة، أغلبها للحكّاء السوداني الأبرز أمير تاج السر، كان ذلك في إطار الاستعداد لمناقشته قبل أن أضطر للاعتذار عن إدارة الندوة. أستكمل الآن قراءة “اللّاهي” لجان دوست، وبالتوازي أقرأ صندوق الرمل لعائشة إبراهيم استعدادًا لمناقشتها في نادي القراءة يوم السبت. ما يمكن تلخصيه من القراءات الأخيرة هو أنني أنصح القراء بالتهام روايتيّ تاج السر “حُرّاس الحزن” و”جزء مؤلم من حكاية” وقتما يتسنّى لهم ذلك، كانت هناك رواية أخرى رائعة لا أذكر لو أشرتُ لها من قبل أم لا، وهي رواية امرأة الجزيرة السوداء لماريا فاس.

لم أزر معرض الكتاب حتى الآن سوى مرة واحدة عابرة لم تستمر لأكثر من ساعة، فقط للقاء أبي في جناح إيبيدي، ولتذكير ولديّ أن هذا العالم الذي يتصفّحان أيّامه في عجالة، قد عرف منذ سنواتٍ رجلاً عظيمًا أدمن الكتابة حتى بات الحبر يسرح في عروقه بدل الدم، كان هذا الرجل هو جدّهما الذي فرغتْ أقلامه من الحبر، فسلّم ورقة إجابته، وغادر لجان الدنيا حين كان أكبرهما في الثالثة من عمره…

افكّر في زيارة المعرض وحيدًا يوم الجمعة أو السبت، وقضاء أطول وقت ممكن بين الكتب، لكنّني أنتظر ترتيب جداول العمل والالتزامات الخاصّة أولًا…

استوقفني كثيرًا استنكار البعض لظاهرة قيام بعض الروائيّين بالترجمة، إذ لم أفهم لماذا لا ينزعج ذات المنزعجين بذات القدر عندما يكتب المترجمون الروايات؟! أعتقد أنه لا مانع من ممارسة المبدع لأي صنف من صنوف الإبداع، طالما أن القارئ سيقيّم التجربة، والزمان سيتكفّل بالفرز! ألا يعرف البعض أن الترجمة -قد- تدرّ عائدًا ماليًا، بينما الكتابة لا تُسفر عن أي عوائد تستحق الذكر؟ أولم يدر في عقولهم المزدحمة بالمشانق وبنادق القنْص، أن لكل كاتبٍ أو مترجم مطلق الحرية في خوض تجربة مختلفة وقتما شاء؟

ماجد الكدواني هو أفصل ممثل مصريّ وعربيّ على قيد الحياة، والدراما المصريّة آخذة في التعافي منذ تخلّصت من عقدة الثلاثين حلقة. ملحوظة: أرجو أن يشاهد قارئ هذه الكلمات الحلقات الأخيرة من مسلسل (قيد عائلي) – الجزء الثاني، قبل أن يقيّم كلماتي في بداية هذه الفقرة…

اشترى ابني الأصغر كتابين من تلقاء نفسه، اختار منفردًا أولهما، ورشحت له الكتاب الآخر فقبله، اللطيف ان اختياراته تمثّلت في روايتين غير مصورتين، وأنه لم يفكر في شراء أي شيء بخلاف الروايات…

وقتما انتهيت من وضع قائمة ترشيحات معرض القاهرة، وجدت أن المعرض شارف على الانتهاء، عمومًا كانت القائمة لتثبت اتهام التبشير بالكتابة العربية، ولكن القائمة كانت أمينة جدًا ومناسبة لذائقتي…

ابني الصغير يقرأ، والكبير يحاول بكل الطرق جذبه من جديدٍ إلى الركض خلف الكرة أو الاستماع إلى الأغاني التي لم أعد أفهم كلماتها، الكبير يلحُّ، والصغير يتمنّع، وأنا أشعر بالفخر، وبالثقة…

اليوم زرتُ أمي، حاولت كثيرًا إبعاد شبح رواية بنجلون عن ذهني، فأفلحتُ قليلاً، وأخفقتُ كثيرًا، لكن وجود الولدين إلى جواري، ومشاركتهما لي ولها غناء أغنية ست الحبايب التي تذكّرتْ هي كلماتها أفضل مني، ساهم نسبيًّا في تقليل جرعة الحزن…

في المعرض، وخلال أمدٍ قصير، وبينما كانت أربع أيادٍ تتجاذب معطفي وساعديّ، استطعتُ اقتناء بعض الروايات التي كانت في قائمتي، ومن بينها؛ روايتيّ مصطفى موسى ونجاة عبد الصمد وكتاب روبير سوليه عن الخديوي إسماعيل من دار هاشيت أنطوان، ورواية أحمد عبد المجيد من الرواق، ومجموعة عادل عصمت من الكتب خان، في اليوم التالي اشتريت من تنمية روايات إيناس حليم ومحمد عبد النبي وعز الدين شكري فشير وعناوين أخرى…

عينا أمي تطالبان بإفراج غير مشروط من ورطة الحياة، وعباراتها المتداخلة التي لا تعترف بالزمان والمكان تؤكد ألا علاقة لها بهذه الورطة المستمرة منذ سبعة عقود ونيف، هي لا تعرف من ورطها، وأنا لا أدرك جرمها الذي تعاقب على اقترافه. انفرجتْ في واحدة من حجرات ذاكرتها الآيلة للضياع نافذة، أطللتُ منها على ماضٍ يألفني، فأمسكت يديّ الولدين، وقفزتُ…

اشتريتُ كتابين رائعين من دار ذات السلاسل عنوانهما؛ “حكايات وأساطير لاتينية” و”حكايات أندلسية”، وهما من ترجمة القدير أحمد عبد اللطيف، كتابان مسليّان وفي غاية الجمال…

من دون ترتيب، عرجت بسوبر ماركت شهير لشراء الزبادي، فوجدتُ أن سعر الموز المستورد ٧٧ جنيه للكيلو…

أودّ أن اصطحب الولدين في زيارة إلى “بنها” لأقدم لهما نفسي التي لم يعرفا عنها سوى بضع شذرات، لا أنكر أن للأمر علاقة برواية أكتبها منذ سنتين تدور كل أحداثها في هذه المدينة الهاجعة النائمة على كتف النيل… أتمنى أن يسمح الوقت بزيارة كهذه، فيتجوّل الولدان في ألبومات الصبا، وأستوثق أنا من بنية المكان في روايتي…

سعر الدولار آخذ في الارتفاع مرة أخرى، لكنه هذه المرة يتسلق خارطة الرسم البيانيّ بخبث الأفاعي..

وجدتُ أبي وسيمًا مبتهجًا على الغلاف الخلفيّ لروايته في جناح إيبيدي، كان ينظر إليّ وأنا أتجاذب أطراف الحديث مع الصديق محمود عبد النبي، لاحظت نظراته، وشعرت بها تربّت كتفي وكتف محمود، وكان واضحًا أن عيناه تتحركان فوق الغلاف، لا أعرف كيف لم يلاحظ الجمهور الأمر، لكنني آثرت ألا يلاحظ أبي انتباهي، حتى لا يُكرّر سؤاله الدائم، المقرون بالعتاب؛ لماذا توقفتم عن التحدّث إليّ؟

لا بد من بعض الألم حتى تصفو الحياة من غبار الاعتياد، المرض سفير فوق العادة، يعمل -رغم هيئته المقبضة المخيفة- على إعادة ترتيب المفردات في غرف القلب، ويعيد أرشفة ملفات الذاكرة في حجراتها التي نُصرّ على تركها عشوائيّة ما لم ندوّنها دوريًّا. اختبارات المرض حين تتماسّ مع مدارات المقربين إلينا، تغيّرنا فنخرج منها أفضل ممّا كنّا، إذ تتمدّد في تلافيف أدمغتنا مساحات التسامح والتقدير والإيثار والتخلّي، وتمتلك ألستنا قدرة أكبر على الإفصاح عن كل ما كبّله الخجل، أو عرقلته الظروف، أو تاه في زحام الحياة.

إجازة نصف العام تتآكل، والزمان وغدٌ، سرّاق خوّان مكير يتعمّد كرّ بكرة الوقت، ودَفْع عقرب الساعة الذي بات مسالمًا وديعًا يستجيب لإملاءات الزمن ولا يلدغه!

أنا بخير طالما أحبّائي بخير، أؤدّي عملي بقدرٍ أكبر من الراحة وقد انزاحتْ سحب القلق والضجر، أواصلُ القراءة والاشتغال على ملاحظات المحرر الخاصة بروايتي الجديدة.

اصطحبَ ابني الأكبر أخاه الأصغر وراحا يركضان خلف الكرة، ترك الصغير كتابه فوق طاولتي، لكنّه لم يثنِ الصفحة التي توقف عندها وقتما مضى مستجيبًا لوسوسة أخيه، بل وضع عندها “بوكمارك” أهديته له فور شراء الكتابين، وهذه إشارة جيّدة، سيستكمل الولد القراءة، وربما لا يستكملها، لكنه تعلّم أن يحترم الكتاب…

ما زلت أشعر بالراحة رغم وهن الجسد، حدّ أنني أفكّر في مشاركتهما لعب الكرة بعد قليل…

يتبع…

17 فبراير 2023

انتهت إجازة نصف العام منذ ستة أيام…

سحبتني دوامة التكرار وانسحبت مفردات التغيير والتنويع والترفيه من دفاتر الحياة…

كتبت وقرأت، ولكن؛ بوتيرة هادئة يسوقها شغف آخذ في الذبول…

صباح اليوم، الجمعة، وفي طريقي إلى العمل، ساورتني رغبة في تحدي سائر الموجودات، كنت في حالة ثورة على شيء غير ملموس، انطلقت قاطعًا مشوار الخمسة وخمسين كيلومترًا الذي أتعاطاه مرتين كل يوم، تمامًا كأقراص السكري والقولون العصبي، تركت الشمس ورائي بعدما تسللت من مخدعها متظاهرة بالبراءة والحياد، كأن ظهورها لا يبرهن أن يومًا آخر قد مضى من العمر، ولا يثبت أن صفحة قد طويت من كتاب الحياة الذي يدوّننا ولا نقدر على التدخل في ما حواه، آمنتُ بقدرتي على أن أسبق الشمس، أن أذهب إلى العمل وأعود قبل أن تستكمل شروقها، وقبل أن تستوي كحجر ثقيل فوق عباءة العمر…

وكانت الشمس تراوغني فتظهر وتختبئ متعللة بالمسار الثعبانيّ للطريق الدائري، التقطتُ لها صورة توثّق تقدمي عليها. قرّرتُ أن أتحدّاها، أن أتحدى الرادار والغبار وغلالة ضباب الصبح ودفقات النهار، أن أتناسى خمس وأربعين سنة مخبأة في معطفي، نسيت وجودها رقمًا، ونسيت النسيان والجنوح إلى البكاء عرضًا يصاحبها، شعرتُ أنني أشق عباءة الزمن فوق صهوة جواد لا تلزمه مكابح البنزين ليدرك فوات الوقت والفرص والأيام، تعاطفتْ معي الموجودات فلقاني الطريق فارغًا متفرّغا لموكبي، جعلت أراقب الشمس حتى أتأكد أنها لم تزل خلفي، وأنني أسبقها، وأن المسافة بيننا تتسع بقدر الحنين إلى كل ما سقط من حقيبة العمر…

وصلت إلى مكتبي لاهثًا ثملاً بسكرة نصر آخذ في الاكتمال، ألقيت بجسدي في كرسيّ المكتب، فتحت الستائر، فرأيت الشمس تتمايل في قلادتها النورانية، كانت تتراقص في نزق، أو ربما أصبت أنا بالدوار، لكن السماء كانت تتذبذب بوضوح، معلنة انتصار الشمس عليّ، ومؤكدة أن يومًا آخر سوف يمرّ بذات النسق والنمط المكرور…

تك… تك… تك… تك…

العقارب المتآمرة في ساعتي منحت صوتًا للهزيمة، جعلت تعلو حتى اتشح وجيب القلب بالسكون، هزمتني الشمس مرة أخرى، هزمني ذات الزمان الخوّان، وتآمرت عليّ موجودات آمنت لساعة أنها تناصرني، فسرقَت مني يومًا جديدًا، كما تفعل كل يوم…

يمّمتُ وجهي شطر القرص البرتقالي، اعترفتُ له أنني اعتدتُ سرقاته وألفتُ هزيمتي في حضرته، لكنني نبّهته إلى أن هزيمتي اليوم مختلفة، إذا أنها جاءت لأول مرة، بعد مقاومة مني…

الشمس طفلة تستكين على صدر السماء، والغيوم العابرة زفرات تلفحني، وتباشير النهار تمحو عن السماء أثر الليل الفائت، ثبتتُ الشمس وتوقفت عن التأرجح، اقترحتُ معاودة السباق قبل الغروب، فوافقتْ، والتقطتُ لها صورة جديدة…

ربما أعود إلى تدوين اليوميات في إجازة الصيف لو كان في العمر بقية… لكنني لن أتوقف عن القراءة والكتابة عمّا قرأت…

تمت

#محمد_سمير_ندا

أضف تعليق

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ