روايتان فارقتان…

روايتان مهمتان قرأتهما، أو سمعتهما في واقع الأمر، خلال الأيام الأخيرة، ولم أمتلك الوقت أو الطاقة اللازمة للكتابة عنهما، ولأنني أعلم أن تراكم القراءات سيمثل عائقًا يعطلني عن الكتابة عنهما في ما بعد، فأضعف الإيمان أن أشير لهما، وأشيد بتميزهما قبل أن تتوه معالمهما في حجرات الذاكرة المزدحمة بالحكايات.

سمر يزبك في “لها مرايا” تقدم حكاية فريدة عن وطن ينكّل بشهرزاده، مشكّلة بكلماتها معمارًا سرديًّا شاهقًا، تصطحب خلاله القارئ ليتعرف على تاريخ الطائفة العلويّة، وكيفيّة تحوّل الضحيّة إلى جلاد، جاعلة من عقيدة التناوب أو التناسخ مرآة تنعكس فيها الحكايات عبر العصور. تفتتح الكاتبة حكايتها بلحظة وفاة الرئيس الذي لا يموت، وتتقن لعبة المراوحة الزمنية حتى تكتمل الدائرة بعبور رمزي بين طرفين لا يلتقيان، مؤكدة أن الضحية والجلاد وجهين لطبيعة بشرية تجنح إلى قمع الآخر وتتلذذ بالاستحواذ على السلطة، قبل أن تحوّل بنيانها السردي إلى سحب من غبار.
قرأت لسمر يزبك المشاءة ورائحة القرفة وبوابات أرض العدم ومقام الريح، وهي من أهم الكاتبات العربيات المعاصرات على الرغم من حرصها على عدم الظهور الإعلامي أو من خلال مواقع التواصل، كلمتها ستعيش طويلاً، ومقام الريح على وجه التحديد تستحق بدورها كتابة أخرى مفصلة…

النص الروائي الآخر للعبقري ربيع جابر، وعنوانه شاي أسود، ولو كنت قد أشرت إلى جريمة السلطة في حق شهرزاد في “لها مرايا”، فنحن هنا أمام شهريار تائه لا تقص عليه شهرزاد خياله إلا حكاية واحدة، حكاية ينكر أثرها، لكنه لا يعي أنه متشرنق في جوفها المظلم، حكاية الحرب، والحبيبة التي نبذها لأنه أراد لها وطنًا مغايرًا، ورجلاً يستحق الحياة، والأم التي شرخه غيابها فجعل ينكر عاطفته تجاهها، والأصدقاء الذين فرقتهم الحرب فآلت مصائرهم إلى دروب قلّما تتقاطع. نص عبقري مغزول من مزاج شاب اختزن طزاجة الحرب ووشم مشاهدها خلف جفنيه، حسام هو النتيجة والدليل والبرهان على الحرب الأهلية ونتاجها، هو الضياع الذي لم نزل ننكر امتداد أثره، والجرح الذي لم يندمل رغم فوات السنوات وتفويت الفرص، عن اللون الأصفر الذي طرد الأخضر من شرفات الحلم، وربما يكون ربيع حابر في حد ذاته، ككاتب وإنسان، هو خير من يعبر باختفائه الطوعي عن حال لبنان ما بعد الحرب الأهلية.

نصّان روائيان أتمنى أن يقرأهما الجميع…
ورمضان كريم…

#محمد_سمير_ندا

أضف تعليق

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ