عندما تمحو أثر الموت، بالكتابة!

فقد الشاعر والكاتب الفرنسي كريستيان بوبان زوجته عام ١٩٩٥، بعد علاقة حب استمرت منذ عام ١٩٧٩.

تزوجت “غيزلان” مرتين قبل زواجها من كريستيان، لكن بوبان كان يحبها منذ وقعت عيناه على بسمتها الفيّاضة بالحياة والأمل، لم تقترب يومًا من حدود المتاح، ظلّت تحلق في سماء حلمه حتى تماسّت دروبهما، فاتحدا في عناق صادق لم يخفت طيلة ستة عشر سنة، بيد أن الموت فاجأهما بغتة، نزفت دماغها المتّقدة بالحب والعطاء فانطفأت روحها الطلوقة الحرّة في غضون ساعات، تاركة لكريستيان ميراثًا من لحظات ومواقف تكفر بفطرة النسيان.

فقد بوبان اتزانه لشهور، لكنه سرعان ما وجد طريقة يعبر بها فوق خسارته، ويعبّر بها عن عشقه بطريقة لا تخلّد ذكرى غيزلان فحسب، بل تمنحها حياة إضافية لم تعشها….

في كتاب “على قيد الحياة”، يصوّر بوبان معالم الحياة التي عرفها لمّا طالعها عبر عينيّ غيزلان، يقدم شهادة للأجيال القادمة، لا يتلو شهادة عن حكاية تخصّه فحسب، ولا يختص حبيبته الراحلة بالرسالة وإن شُبّه لنا ذلك، إنما يرسل بوبان رسالة مفتوحة عن العشق الصادق، عن الوفاء والامتنان، عن التغلب على الحزن وإطالة العمر من خلال الكتابة، يودع رسالته قاع زجاجة، ويهبها إلى محيط شاسع لا يُسمح فيه بالغرق…

يموت الناس وفق ناموس الكون وميقاته المحسوب، لكن الحكايات أبدًا لا تموت.

إن “على قيد الحياة”، هي الحكاية التي يتمنى كل منا أن تكتب عنه ذات يوم بعدما يطاله منجل حصّاد الحيوات، لأن كتابة متدفقة، دافئة، ككتابة كريستيان بوبان، كفيلة بأن تمحو أثر الموت، وأن ترسم ابتسامه على وجوه المغادرين.

أغلقت صفحات هذا الكتاب القصير وشبح ابتسامة يراود وجهي، شعرت بالامتنان لكليهما؛ الراحلة والمتروك، ثم شردت لوهلة، وجعلت أفكر؛ هل سمحت طاحونة الحياة لبوبان، أن يخبر غيزلان -إبان حياتها- ولو بقسم يسير مما قرأت للتو؟

أتمنى هذا…

امتناني العميق للمترجم وليد الفرشيشي الذي نقل لي نبض بوبان ومشاعره الفياضة بهذه المصداقية.

#محمد_سمير_ندا

أضف تعليق

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ