العبقرية الواقعية في رداء العادية…

تكمن عبقرية هذه الرواية في عاديّتها، في التصاقها الوثيق بالواقع، بل بتماسّها مع تراب الأرض في طولون والسيدة…

حكاية صادقة أشبه باعترافات ذاتيّة لرجل عادي، رجل شديد العاديّة، يُشيّد حكايته على وجوه وأجساد نساء شكّلن يحضورهن آثارًا متفاوتة في حياته…

ينقل حمدي الجزار صورة القاهرة الشعبية من خلال انعكاساتها في مرايا النساء، عشرون فتاة وامرأة تعكسن بعبورهن في عينيّ القارئ حكايته وحكايات أزقّة القاهرة العتيقة في طولون والسيدة والقلعة؛ بعين لاقطة تشرّح الصور العابرة بحرفيّة وتقنيّة سردية دقيقة تعرضُ ولا تفسّر، ولا تحلل الظرف الراهن عبر جرّه في أذيال الزمن وغمره في غبار السياسة، رواية تحوي عبق القاهرة اليمة، لكنها تثبت أن بعض كُتّابنا قادرين على نسج هذه الحكايات ونقل هذه الصورة من دون التعلق في جلباب العم محفوظ، فهذه الرواية تحمل “نَفَس” كاتبها حمدي الجزار، ولا تتبع خطى محفوظ وإن دارت في مسرح مكانيّ شديد الاتساق بعوالم محفوظ…

سيد ابن الأسطى فرج، المفطوم في سن الرابعة ولم ينس مرارة الفطام حتى بلغ الثلاثين، يشبه الكثيرين منا، حكايته نسخة من حيوات غالبيتنا، بأحلامه وشهواته واخفاقاته، بترنحه بين ما يراوده من آمال الحب وأوهام الفحولة، وضآلة الواقع وضجر الأسرّة، وأشباح الطفولة ونباح لم تزل تُطلقه ولا يخفت…

ولكن، وحده سيد، كانت لديه الجرأة على البوح، وتميّز عنا جميعًا بامتلاك الجسارة اللازمة لكي يحكي الحكاية التي اختزنتها عينا الطفل الذي كانه وكنّاه، ليسرد من الحقائق والذكريات ما لا نقدر نحن على الإفصاح عنه!

رواية رائعة! جدًا!

* أعدت قراءة هذه الرواية من باب التحضير لقراءة رواية حمدي الجزار الأحدث “العروس” الصادرة عن ديوان للنشر…

#محمد_سمير_ندا

أضف تعليق

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ