لعل هذا النص الممتع، المُحكم في حبكته، والمُتفرّد بجودة تطويعة للتقنية البوليفونيّة، هو خير ما يُعبّر عن تحقّق الوحدة العربية فوق هذه الأرض، وإن أنكرها المؤرخون!
حكايات عزمي وسندس وجبران ورباح والشيخ الجنزير، وكذلك جليلة ورابعة وبكري، بكل ما تحويه من تعرية للفساد، وفضح للزواج السرّي (الأبدي) بين السلطة واليسار والتيّارات الدينية، وإزاحة الستار عن قاع المجتمع المتأرجح بفقره بين الرذيلة وإدعاء الفضيلة، وتجسيد سلطة الدجل على العقول المنشغلة بوقف زحف الجوع، كل هذه المشاهد وغيرها؛ كانت ولم تزل صالحة للإسقاط على أي دولة عربية!
ولولا تحديد جغرافيّة المكان واختيار بعض الأسماء في “عندما تشيخ الذئاب”، لكان الشيوع هنا مكتمل الأركان، بيد أن هذا النص على الرغم من ذلك التحديد الباهت، احتفظ بقدرته على الاتساق مع أي شأن عربي، سياسي أو ديني أو اجتماعي أو اقتصادي، في كل شبر في ديار العرب!
رحلات صعود وهبوط، وتنقلات برقيّة بين الافتخار والانكسار، ودراما مكتملة الأركان عضّدها قبح الواقع الذي نحياه، ففي هذا النص، سنشهد وصوليّة اليساريين توازيًّا مع انتهازيّة الإسلام السياسي، سنستمع إلى أصوات الفاسدين والدجالين والناقمين على الحياة والمتسلّقين والمُقرّين بالعجز وانعدام القيمة، سنرى العُهر في رداء العشق، والفضيلة في ثوب الفسوق، وستركع الحياة تحت أقدام أولاد الحرام…
هذا النص الروائي استحق ما ناله من تكريم ومقروئية، ناهيك عن تحويله إلى عمل درامي سوري منذ بضع سنوات. إن رواية “عندما تشيخ الذئاب”، الواردة في قصيرة البوكر العربيّة عام ٢٠١٠، هي عمل أدبي يحفل بالمشهديّة والصور الكفيلة بنقل الوقائع وتجسيدها في مخيّلة القارئ، حكاية شديدة المرونة في تنقلها بين أفواه الرواة.
عمل آخر تأخرتُ في قراءته، وكم هو محزن اكتشاف مثل هذه الدرر الأدبية بعدما يغيّب الموت كُتّابها…
جمال ناجي (أريحا ١٩٥٤ – عمّان ٢٠١٨): روائي عربيّ قدير، وضع عيّنة من نسيج المجتمع العربي (متماثل الجينات) أسفل مجهره، وفحصها بتؤدة، ثم أعلن عن نتائج فحوصاته بكل دقة واقتدار، لينتج لنا هذا النص.
بكل أسف؛ لم يتحمل ناجي ما رآه من وقائع رصدها بعين المبدع، ناء الخيال بثقل الحقيقة، وناخ القلم تحت وطأة الهموم، فتوقف قلبه وهو في الثالثة والستين من عمره، ليرحل وفي جعبته الكثير من الحكايات…
ملحوظة: حلّت ذكرى وفاة جمال ناجي منذ أيام، فقررت قراءة هذا النص في ذكراه…
#محمد_سمير_ندا
قراءات انطباعيّة (غير متخصّصة) عن الأعمال الروائيّة 
أضف تعليق